إشکاليات التنظيم القانوني للمسئولية الجنائية عن النشر الصحفي الإلکتروني في مصر

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلفون

1 مدرس بقسم الصحافة بالمعهد الدولي العالي للإعلام بالشروق.

2 باحث دکتوراه في القانون، کلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد الملک السعدى، المغرب.

المستخلص

تهدف هذه الدراسة إلى محاولة الکشف عن ملامح إشکاليات التنظيم القانوني للمسئولية الجنائية عن جرائم النشر الصحفي الإلکتروني وفقًا للقانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، کما تسعى إلى التعرف على ملامح جرائم النشر الإلکتروني وما يترتب عليها من المسئولية الجنائية وفقًا لقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام واللائحة الجزائية المرتبطة به، کما تهدف الدراسة أيضًا إلى محاولة الدفع –بشکل غير مباشر- إلى تطوير الإطار التشريعي المنظم للعمل الصحفي الإلکتروني بما لا يحمل أيّة شبهة للحدّ من حرية الصحافة بوجه عام والإلکترونية بوجه خاص في معالجة قضايا المجتمع، ويحفظ في الوقت نفسه حقوق الأفراد والمجتمع.
وأظهر التحليل مجموعة من الإشکاليات المتعلقة بالتنظيم القانوني للمسئولية الجنائية عن جرائم النشر الإلکتروني في ضوء القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، نوجزها فيما يلي:
جاءت في مقدمة هذه الإشکاليات غموض بعض النصوص بما يؤدي إلى اختلاف تأويلها، حيث احتوت بعض مواد القانون على العديد من الألفاظ والعبارات الفضفاضة وغير المحددة يقينًا وتحتمل التأويل في جوانبها، ومن ثمّ يُترَک تأويلها وتفسيرها إلى الأجهزة القضائية والتنفيذية من جهة، ومن جهة أخرى يؤدي عدوم وضوحها ودلالتها إلى عدم قدرة الصحفي أو المواطن على تحديد ما يُعتبر جريمة وما لا يُعتبر جريمة، منها عبارات مثل: مقتضيات الأمن القومي والدفاع عن الوطن، ومخالفة النظام العام أو الآداب العامة، وتکدير السلم العام وغيرها، وترتبط بهذه الإشکالية إشکالية تالية وهى التوسع في محظورات النشر، وبالتالي التوسع في حدود التجريم وتکريس جرائم طالما طالب الصحفيون بإلغائها من خلال عبارات مطاطة يمکن تأويلها في غير صالح الصحفيين، إلى درجة تعکس نيّة لحصار الصحافة وأن تتحول المهنة والصحفيين إلى کتابة النشرات الرسمية.
إشکالية ثالثة کشفت عنها الدراسة وهى التوسع في نطاق المسئولية (تعميم العقوبة)، وتمثلت في ترکيز المشرّع على قبل الکاتب، حيث حرص المشرّع على عدم الاکتفاء بمساءلة الصحفي، واتجه إلى معاقبة الموقع أو الوسيلة الإعلامية کشريک في المساءلة القانونية إلى جانب الصحفي، وهو ما يطلق عليه "المسئولية التضامنية"، بناءً على افتراض مسئولية مدير النشر الجنائية عن کل ما يُنشر في الموقع أو الصحيفة، وما في ذلک من خروج عن القواعد العامة للمسئولية الجنائية التي تقضي بأن تکون المسئولية شخصية لا تلحق إلاّ بمن ساهم فعلاً في ارتکاب الجريمة.
تمثلت الإشکالية الرابعة في عدم الاهتمام بتنظيم جرائم انتهاک حقوق الملکية الفکرية فيما يتعلق بالمصنّفات الصحفية، حيث لم يهتمّ قانون تنظيم الصحافة والإعلام بتأکيد حماية حقوق الملکية الفکرية الواردة في القانون 82 لسنة 2002؛ إذ لم يتضمن القانون أية ضوابط لحقوق الملکية الفکرية بالخاصة بالمصنّف الصحفي، وبصفة خاصة انتهاک حقوق الملکية الفکرية من خلال النسخ غير المشروع للمنتج الصحفي ونسبه للنفس کأحد أبرز أشکال انتهاک حقوق الملکية الفکرية في البيئة الإلکترونية.
وجاءت الإشکالية الخامسة متمثلة في عدم التفرقة الواضحة بين الحق في النقد وجرائم السبّ والقذف، فعلى الرغم من أن المشرّع حدد شروط النقد المباح –کما تقدّم ذکره- وحظر على الصحفي أو الإعلامي تناول مسلک المشتغلين بالعمل العام، أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة، أو المکلف بخدمة عامة، إلاّ أنه لم ينصّ على العقوبة المقررة في حالة مخالفة هذا الحظر، وهذا من شأنه أن يضع الصحفي المخالف تحت طائلة المساءلة بموجب قوانين أخرى عامة مثل قانون العقوبات المصري.
کما کشف التحليل أيضًا عن الإشکالية السادسة وتتعلق بعدم وضوح ماهية الجرائم المرتبطة بالتحريض، فعلى الرغم من أن المشرّع المصري في تنظيمه للمسئولية الجنائية عن الجرائم الصحفية في قانون تنظيم الصحافة والإعلام قد نصّ على عدم جواز توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي تُرتکب بطريق النشر أو العلانية، إلاّ أنه استثنى من ذلک جرائم التحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد بتوقيع عقوبة سالبة للحرية، ومع ذلک لم يحدد القانون ما المقصود بمصطلحات مثل العنف أو التمييز أو الطعن في حياة الأفراد وترک للجهات القضائية تفسيرها أو تأويلها، وقد لا يأخذ القاضي فيها بإلزام الصحفي بالتعويض ويطبّق عقوبة سالبة للحرية وفقًا لنصّ الدستور والقانون في هذا الشأن.
أما الإشکالية السابعة فتمثلت في التعامل مع المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها وسائل إعلامية مع عدم النصّ صراحة على ذلک، وقد کشف التحليل في هذا الصدد أن المشرّع المصري في صياغته لقانون تنظيم الصحافة والإعلام 2018 لم ينصّ صراحة على المدونات الإلکترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي کوسيلة إعلامية، ولکنه في المادة (19) من القانون أشار ضمنيًا إلى هذه المواقع من خلال عبارة (کل موقع إلکتروني شخصي أو مدونة إلکترونية شخصية أو حساب إلکتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أکثر)، وتأتي الإشکالية في ظل وجود خلاف بين فقهاء القانون حول الطبيعة القانونية لهذه المواقع والمدونات بين کونها متعهد إيواء أو ناشرًا في ضوء حقيقة الدور الفني الذي تقوم به هذه المواقع.

الكلمات الرئيسية