أطر تقديم صورة ترکيا فى ضوء التحولات في السياسة الخارجية:

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس بقسم علوم الاتصال والاعلام بکلية الآداب – جامعة عين شمس.

المستخلص

تتحدد المشکلة البحثية للدراسة فى رصد صورة ترکيا من خلال تحليل عناصر الصورة وأبعادها واتجاهاتها وصناعها والمقارنة بين تلک الصورة خلال فترات أو مراحل زمنية مختلفة تمثل فترات مهمة في تاريخ ترکيا، وخاصة بعد مرور فترة من الاضطرابات في العلاقات الترکية مع روسيا، ثم العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريکية، وکذلک الانتخابات الرئاسية الترکية التى جرت قبل موعدها بعام کامل في ظل ترقب وشد وجذب بين الأطراف المختلفة حول الفائز في تلک الانتخابات، وعما إذا کان سيتم تغيير السياسات الترکية بتغير الرئيس رجب طيب أردوغان وما بعد فوزه في تلک الانتخابات فى المواقع الإخبارية العالمية الروسية والأمريکية وذلک من أجل تحديد أوجه التشابة والاختلافات فى صورة ترکيا في المواقع الإخبارية العالمية التى يحکم کلًا منها أيديولوجية مختلفة.
ومن خلال نتائج التحليل، اتضح غلبة فن الخبر الصحفى بمواقع الدراسة يليه التقرير الصحفي، تعکس هذه النتائج عدم تعمق المواقع الإلکترونية محل الدراسة في فترة التحليل الأولى والمتمثلة في الانقلاب العسکرى الفاشل الذى جرى على الأراضى الترکية في نشر الأخبار الخاصة بالشأن الترکى بشکل مستفيض، حيث يتيح فن التقرير الصحفي مزيدًا من المعلومات، وهو ما زادت نسبته أى نسبة التقارير الصحفية نسبيًا في فترة التحليل الثانية والمتمثلة في فترة تدهور العلاقات الترکية الأمريکية والتقارب مع روسيا والثالثة الخاصة بالانتخابات الرئاسية نتيجة الاهتمام المتصاعد ترکيا، والتي يزداد نفوذها يومًا تلو الآخر.
لم تتنوع مصادر المادة الصحفية المنشورة على المواقع الإلکترونية محل الدراسة، وذلک في فترات الدراسة الثلاثة أى فترة الانقلاب العسکرى الفاشل بالإضافة إلى فترة تدهور العلاقات الترکية الأمريکية والتقارب مع روسيا وأخيرًا فترة الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعکس اهتمام المواقع الإلکترونية محل الدراسة بنقل وجهات النظر الخاصة بالدولة التي تبث الموقع، وذلک لشرح توجهاتها وإيديولوجيتها.
لم تختلف توجهات موقع "روسيا اليوم" طوال فترة الدراسة عن توجهات موقع  الـCNN بالعربية حيث اتفقت المعالجة الصحفية للموقعين على بروز شخصية الرئيس الترکي رجب طيب أردوغان بالإضافة إلى کل من الرئيس الروسي بوتين والرئيس الأمريکي السابق أوباما وبعدها الرئيس الحالي ترامب کمحور له دور فاعل في الأحداث، وبعدها جاءت أدوار أخرى تمثلت في دور العاهل السعودى والأمير القطرى.
وقد اتفقت المعالجة الصحفية في الموقعين على سلبية الصورة الخاصة بترکيا إلا أنها کانت أکثر سلبية في موقع روسيا اليوم عنه في موقع ال CNN بالعربية، إلا أن الصورة اختلفت فترة التحليل الثانية والمتمثلة في فترة تدهور العلاقات الترکية الأمريکية والتقارب مع روسيا وذلک فى ظل محاولات من الجانب الروسي لاستقطاب الجانب الترکي في ظل علاقات عدائية أو شبه عدائية مع الجانب الأمريکي، ويتفق هذا مع ما أکدته ( دراسة Hassan Selim2017) أنه في عام 2015 بدأت العلاقات التي تربط ترکيا بروسيا في التراجع وذلک في نوفمبر 2015 حيث قامت ترکيا بضرب سلاح الطيران الروسي S4-24 وبعدها قام الطرفان بالاتفاق على السلام بعد 7 أشهر من المباحثات الدبلوماسية والاعتذار لترکيا إلا أن الطرفين قررا فتح فصل جديد للعلاقات بينهما والحوار، وبعدما عادت العلاقات الترکية الروسية کما کانت حدثت واقعة غيرت مسار العلاقات الترکية الروسية، وهي حادث مقتل السفير الترکى على الأراضي الروسية[i] .
اتضح أيضًا عدم التوازن والموضوعية وغلبتها في کل من موقعي الدراسة، وهو موقف نابع من طبيعة علاقة روسيا والولايات المتحدة بترکيا إذ تؤثر التحولات في السياسية الخارجية على طبيعة العلاقات بين الأطراف المختلفة وهو ما يظهر من خلال الإيديولوجيا الخاصة بالمواقع محل الدراسة.
اتفقت المعالجة الإخبارية على وجود عددٍ من القضايا الرئيسة التي أثرت على العلاقات الترکية-الروسية والعلاقات الترکية-الأمريکية، وتتمثل تلک القضايا في: حادث الانقلاب العسکري في ترکيا وأزمة مقتل السفير الروسي على الأراضي الترکية أزمة إسقاط الطائرة الروسية "سو 24" على الأراضي السورية واتهام ترکيا بإسقاطها، بالإضافة إلى أزمة دعم الولايات المتحدة الأمريکية لفتح الله جولن المعارض الترکي ودعمها للأکراد وهم أحد الأعداء الرئيسيين للجانب الترکي بالإضافة إلى الأزمة الخليجية الدبلوماسية أو ما سُمى بأزمة قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، والتي اتخذت فيها ترکيا موقفًا مؤيدًا للجانب القطرى وهو جزء نابع من سياسة ترکيا المتمثلة في محاولة فرض نفوذها على الدول العربية وبالتالي الوقوف مع دولة مثل قطر حيث تتوافق مصالح کل منهما وتوجاتهما المتمثلة في دعم تيار الإسلام السياسي في المنطقة، وهوما يتفق مع النتائج التي أکدتها دراسة (2012Yilmaz Bahri )   والتي أکدت على أنه منذ عام 2007 أصبح الاهتمام الترکى يتجه تدريجيًا نحو جعل العلاقات بين ترکيا والدول العربية والشرق الأوسط أعمق وأکثر قربًا وخاصة بعد تولى أحمد داود أوغلو وزير الشئون الخارجية الترکية[ii]، کذلک يمکن القول إن ترکيا أو أرودوغان قاموا بدعم تيار الإسلام السياسي والذي تدعمه قطر أيضًا وقطعت الدول العربية علاقاتها معه على أثر ذلک، فنجد أن ترکيا قامت بالتنسيق مع قطر خوفًا من عزل الرئيس الأسبق مرسي عبر حشد الدول الغربية ضد ما أسموه "الانقلاب العسکرى" على "الرئيس المنتخب" وقد وصف أردوغان في تصريحاته مصر ب "دولة البلطجية" رافعًا إشارات رابعة باعتباره الشعار الذي  صنع في ترکيا وفقًا لما أکدته دراسة (محمد عبد القادر خليل 2013)"[iii] ،فلم ترتبط ترکيا على مدار تاريخها مع مصر بعلاقات عدائية مباشرة کما ارتبطت بعد ثورة 30 يونيو،  وذلک بسبب تحولها من طرف إقليمي مفترض أن يسعى إلى الحفاظ على مصالحه إلى طرف يسعى إلى تغيير المعادلة السياسية المصرية الجديدة لصالح جماعة الإخوان المسلمين ، فالموقف الترکي لم يقتصر على مجرد إعلان المواقف المبدئية من سقوط حکم الإخوان المسلمين في مصر  وإنما امتد إلى الممارسات السياسية والأمنية التي تستهدف النيل من استقرار الدولة المصرية ذاتها، وهو ما أکدته دراسة (محمد عبد القادر 2013)[iv] ، حيث إنه يمکن القول إن الصدام بين ترکيا والدول العربية ناتج بالأساس عن محاولات جماعة الإخوان المسلمين السيطرة على الحکم في الدول العربية وأن تحل محل الأنظمة العربية الموجودة حاليًا کما بدأ الخلاف واضحًا عام 2013 بين الجانب الترکي والمصري فقد اختارت ترکيا الوقوف ضد مصر[v]وکأنما المصاب في اسطنبول وليس فالقاهرة هذا ما يمکن الخروج به من انطباع أولى حول ردود الأفعال الخاصة ب "حزب العدالة والتنمية الحاکم" في ترکيا اتجاه خلع الرئيس الأسبق محمد مرسي، وکم کان معبرًا مانشيت صحيفة "آنيدينليق" الترکية اليسارية يوم سقوط مرسي ،"خلع طيب مصر" في إشارة إلى أن مرسي کان بمثابة رجب طيب أروغان في مصر[vi]، وأيضًا أکدت دراسة (أحمد سعيد نوفل وآخرون 2016) أن ترکيا تعد من أبرز الفاعلين الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط ولذا، فإن لسياستها الخارجية تجاه الإقليم ودوله ومن بينها الدول العربية تأثيرا على هذه الدول وعلى مجمل الأوضاع في الإقليم، فقد غلب على السياسة الخارجية الترکية قبل مطلع الألفية الثانية التماهى مع السياسات الغربية تجاه الإقليم وإغفال العمق العربي والإسلامي وضعف دور ترکيا الإقليمي  غير أن هذه السياسة الأساسية شهدت منذ حکم حزب العدالة والتنمية عام 2002 تحولات استراتيجية أعادت تعريف مبادئها السياسية الأساسية، وهدفت إلى صياغة دور جديد ومؤثر لترکيا غير أن هذه السياسة الخارجية والدور الذي تلعبه أنقرة في السياسة الخارجية واجهت منذ عام 2011 عددًا من التحديات وعلى رأسها اندلاع الربيع العربي في يناير 2011 إذ مثلت هذه الثورات لترکيا فرصة وعقبة في الوقت نفسه[vii].
تنوعت الأطر المقدمة عن صورة ترکيا في موقعي الCNN  بالعربية وروسيا اليوم إذ تنوعت الأطر ما بين سلبية وإيجابية في الموقع الأول ، وتمثلت الأطر الإيجابية في : إطار مکافحة الإرهاب وإطار إعادة العلاقات الدبلوماسية بينما تمثلت الأطر في موقع روسيا اليوم في الأطر السلبية فقط، والتي تمثلت في أطر الصراع والانقلاب والضغط الأجنبي، أما في فترة التحليل الثانية والثالثة، فقد غلبت أيضًا الأطر السلبية على تغطية موقع CNN بالعربية، بينما غلبت الإيجابية على تغطية روسيا اليوم، وکانت أبرز الأطر المستخدمة أطر الأزمة الدبلوماسية الخليجية، إطار توتر العلاقات الدبلوماسية، أطر الصراع وأخيرًا الأطر الاقتصادية في موقع روسيا اليوم دون موقع CNN بالعربية، أما فترة التحليل الثالثة فقد غلبت أطر الصراع تلاها الإطار الحقوقي على تغطية کلا الموقعين محل الدراسة.
أکدت التغطية الصحفية بشکل کبير جدًا التقارب بين کل من الدوحة وأنقرة وقام کل من موقع روسيا اليوم وCNN بتغطية هذا الحدث ومعالجته بشکل کبير نتيجة أهمية الحدث وبروزه المتمثل في قطع  کل من المملکة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر العلاقات مع قطر فى 5 يونيو 2017 وهو ما تم تصويرها على أساس أنها الأزمة الدبلوماسية الأسوأ فى الخليج العربى على مدار عقود عدة، کما أعلنت الأردن تقليلها للتمثيل الدبلوماسى فى علاقاتها مع قطر، تبعها عدد من الدول العربية، إلا أن الکويت وعمان أبقيا على علاقاتهما مع قطر، حيث اتهمت مصر والدول الثلاث برعاية قطر للإرهاب، وکانت تلک الأزمة الأسوأ حيث طلبت دول الخليج من القطريين المقيمين بها مغادرة البلاد وطرد دبلوماسييها بالإضافة إلى قطع العلاقات الاقتصادية وغيرها.  إلا أن الشيخ تميم بن حمد آل ثان قام بإنکار کل ما سبق من تصريحات تسببت فى المقاطعة العربية معربًا عن أسفه، وأن ما حدث کان نتيجة عمليات قرصنة hacking لوکالة الأنباء القطرية وأن ما نشرته کان "خبرًا مزيفًا"، فيما أرجعت الـFBI  الأمر إلى روسيا، وأنها هى من قامت بتلک العملية وبزرع الأخبار التى تسببت فى الأزمة[viii]، أعلنت الدول المقاطعة ست نقاط رئيسة لإرجاع العلاقات مع قطر بعد إيواء الأخيرة للجماعات الإسلامية المتشددة، والتى قامت بإشعال المناطق العربية، وخاصة تلک التى أصابها ما سُمى بثورات الربيع العربى، وکانت أهم تلک المطالب هى: إغلاق المنافذ الإعلامية القطرية المحرضة متمثلة فى الجزيرة، والتى تدعم الإرهاب مما يدل على أهمية الإعلام والدور الذى يقوم به، وقطع جميع التمويلات التى تقدمها قطر للجماعات الإرهابية وتسليم العناصر الإرهابية، وقطع جميع العلاقات مع معارضو الدول الأربعة وعدم التدخل فى شئون الدول الأربعة[ix].إن قيام السعودية والإمارات العربية المتحدة بقطع العلاقات مع قطر أعاد تقسيم خريطة الخليج العربى حيث إن قناة الجزيرة قد أساءت کثيرًا للعالم العربى، فقد وطدت قطر علاقاتها بإيران مع أنها تعد أحد أعداء المملکة العربية السعودية[x].
أما بالنسبة للشأن السورى فلم تتغير السياسة الخارجية للدول الثلاث تجاه سوريا أو الأوضاع فيها حيث ظل الموقف الأمريکي من لأسد على کرسي الحکم بينما اختلف موقف روسيا، والتي ظلت تدعم وجود وبقاء بشار الأسد على کرسي الحکم في سوريا وتعکس النتيجة السابقة ما أکدته درسة (سعيد الحاج 2016) حيث أکدت الدراسة أن مصالح الجانب الترکي تتمثل في إبعاد بشار الأسد حيث تعد سوريا بالنسبة إلى ترکيا  بمثابة بوابة ترکيا إلى العالم العربي وتحاول ترکيا السيطرة عليها والتدخل في شؤونها[xi]،کذلک أيضًا دراسة (قيس تمام 2015) والتي أکدت أنه مع بداية الاضطرابات في عدد من الدول العربية أواخر عام 2010، أيدت ترکيا تيار المعارضة الذي أطاح برؤساء کل من تونس ومصر وليبيا واليمن؛ أما فيما يتعلق بالأحداث داخل الأراضي السورية، فقد تطابق موقف القيادة الترکية مع وقوف العديد من الدول الأوروبية، حيث قامت ترکيا وأوروبا بتأييد ومساندة المعارضة السورية ضد الحکومة، ليس هذا فحسب، بل أمدتها أيضاً بالمساعدات المالية والعسکرية، ومررت الإرهابيين عبر الحدود البرية بين ترکيا وسوريا؛ في الوقت الذي رأت فيه سوريا الأمل بأن تکون أوروبا فرصة مختلفة إلى حدٍ ما عن الولايات المتحدة الأمريکية، فقدمت الحکومة السورية الوعود إلى أوروبا التي تعد الأقرب في التکوين السياسي والاقتصادي لها عن الولايات المتحدة الأمريکية،  ورُغم تلکؤ الدول الأوروبية تجاه المنطقة العربية وانتهازيتها، واقتصارها في کثير من الأحيان على دور الوسيط أو المُسوِّق للسياسة الأمريکية، وأحيانا عجزها عن مواجهتها وانسحابها من مبادراتها الخاصة بها وانزوائها خلف المبادرات الأمريکية، طالبت سوريا أوروبا أکثر من مرة بالقيام بدور أکبر في عملية السلام في الشرق الأوسط بعد أن تخلت واشنطن عن "دور الوسيط النزيه"؛ وهکذا يتجلى بوضوح أن موقف السياسة الترکية تجاه سوريا والأزمة التي مرت بها کان في غاية العداء[xii].
 بل وأن الشأن السورى سًبب مشکلات بين ترکيا وروسيا وهو ما أکدته دراسة (اي ستيفان لاربي وغاليرظا نادر 2016) حيث أکدت الدراسة أن حادث إسقاط الطائرة الروسية سوخوي الذي قتل فيه أحد الطيارين وأنُقذ الثاني الهدف منه إنهاء العمل باتفاق التنسيق فوق الأراضي السورية، وهو ما يفسر تأکيد وزير الخارجية الروسى سيرجي لافروف على أن الحادث استفزازيًا مدبرًا، وليس ناتجًا عن خطأ[xiii].
أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية الترکية المبکرة فيتضح أنه بالنسبة إلى الشأن السوري فما زالت الأحداث متصارعة، وکذلک لازالت ترکيا متمثلة في الرئيس رجب طيب أردوغان مؤيدة لسيناريو عدم بقاء بشار الأسد على کرسي السلطة في سوريا وأنه لا مستقبل لسوريا في ظل وجوده، وأکدت الانتخابات الترکية الرئاسية على هذا الموقف إذ إن عددًا من المرشحين أمام أردوغان کانوا يؤکدون تأييدهم لسياسات بشار الأسد أو على الأقل عودة اللاجئين السوريين الذين احتضنهم أردوغان على الأراضي الترکية إلا أن کل ذلک انتهى بفوز أردوغان وتتفق هذه النتيجة مع ما توصل إليه
ويتضح من مجمل ما سبق أن العلاقات الترکية الروسية والعلاقات الترکية الأمريکية قد شهدت توترًا وصراعات بين الجانبين في فترة التحليل الأولى إلا أن العلاقات الدولية المتغيرة أثرت على توجهات الأحداث، حيث أثر توتر العلاقة بين الجانب الأمريکى والترکي على مجرى الأحداث وأدى إلى محاولة الجانب الروسي استقطاب ترکيا وخاصة بعد صعود النفوذ الترکى في المنطقة العربية والعالم وهو ما يتفق مع ما أکدته نتائج دراسة (بسنت مراد فهمى 2016) من محاولة الحکومات الترکية في الفترة ما بين 1923 و2002 إعطاء أولوية الاهتمام لعلاقتها الدولية مع شرکائها من الغرب، حيث أصبحت ترکيا تعتبر نفسها جزءًا من الغرب، وليست بدولة شرق أوسطية، وأصبحت تعرف نفسها بأنها مؤسسة سياسية واقتصادية وأمنية غربية کما هو الحال بالنسبة للناتو[xiv]، والجدير بالذکر أن العلاقات بين واشنطن وأنقرة کاانت معقدة على الرغم من اتفاقهم في بعض القضايا مثل حلف الناتو وسوريا إلا أن التصريحات العدائية بين الطرفين کانت سرعان ما تأجج الموقف إذ إن خطاب أردوغان دائمًا ما يندد بما تقوم به الولايات المتحدة الأمريکية وهو ما أکدته دراسة ( Jim Zanotti وآخرون 2018)[xv] ، کما أنه يمکن القول أيضًا إنه في المجمل يأتي توتر العلاقات بين ترکيا في ظل التوتر في علاقة ترکيا بمعظم دول الجوار الجغرافي أي سوريا والعراق وإيران وروسيا وأرمينيا، ولعل السبب في ذلک هو انقلاب ترکيا على نظرية صفر المشکلات وانخراطها في موجة (ثورات الربيع العربي) على أمل أن تأتي هذه الثورات بقوى سياسية وإيديولوجية إلى السلطة مما يجعل ترکيا دولة مرکزية وقائدة للعالم العربي إلا أن سقوط مرسي في مصر وضع نهاية مفجعة لهذه الأحلام وضرب المشروع الترکي في الصميم[xvi] ، وتؤکد دراسة (اميرة البربرى 2018) أنه على الصعيد الدولى فإن ترکيا قد عانى اقتصادها من أزمة غير مسبوقة وخاصة بعد قرار الرئيس الأمريکى مضاعفة الرسوم الجمرکية على واردت الألومنيوم والصلب  الترکية مما أدى زعزعة الثقة فى الاقتصاد الترکى وهروب الاستثمارات ورءوس الاموال الاجنبية وتراجع قيمة الأسهم والسندات الترکية لتعيد الليرة الترکية مکشوفة بلا غطاء يحميها من الانهيارات المتلاحقة وجاء تبرير الإدارة الأمريکية لهذا الإجراء کرد فعل على عدم الإفراج عن القس اندروبرنسنو الذى تحتجزه ترکيا بتهمة مساعدة الجماعة التى تحملها أنقرة المسئولية عن محاولة الانقلاب على أردوغان عام 2016 وترى الولايات المتحدة  أن الأدلة الترکية فى هذه القضية غير موثوقة ، ودعا الرئيس الأمريکى أنقرة إلى اطلاق سراح القس الأمريکى فورًا کما هدد بفرض عقوبات کبيرة على ترکيا مالم تفرج عنه، لکن قضية القس الأمريکى ليست بالضرورة السبب الرئيسى وراء الإجراءت الأمريکية الأخيرة ، حيث توجد مجموعة من الخلافات العميقة  بين واشنطن وأنقرة حول بعض الملفات إلا أن قضية القس الأمريکى عمقت التوتر وزادت من حدة الخطاب السياسى لرئيسى الدولتين، والتى تميل إلى تهديد والتحدى اکثر منها الى الدبلوماسية مصبوغة بالنعرة القومية



 

الكلمات الرئيسية