أنماط تفاعل الشباب المصري مع شبکات التواصل الاجتماعي وعلاقتها بهويتهم الثقافية:

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المدرس بقسم الإعلام بکلية الآداب جامعة المنوفية.

المستخلص

بالاستناد إلى تحليل الأبعاد الثلاثة للثقافة (المعياري والمعرفي والمادي) لدى الشباب المصري، سعى هذا البحث إلى الکشف عن مدى کون الشباب المصري نتيجة تفاعلاته مع الشبکات اجتماعية مترددًا لا يتبنى معاييرًا أو قيمًا أو أشياء مادية ثابتة تشير إلى التکوين الثقافي المتوارث لدينا في مصر. ورکّز البحث على دراسة تأثير العناصر المشکِّلة للحداثة الجديدة على تلک الأبعاد مثل (قيم التحرر المطلق واللاقيد وعلاقتها بالثقافة والسلوک). في ضوء ذلک ناقش الباحث الأفکار التي طرحتها الدراسة الراهنة مع الشباب المشارکين في البحث بعد تقسيمهم حسب التوزيع الطبقي إلى ثلاث مجموعات. وکان من المتوقع أن تنقسم النتائج المستخلصة من تلک المناقشات إلى ثلاث مجموعات أيضًا کالتالي:
-        المجموعة الأولى من النتائج تمثّل إجابات الشباب المحافظين المنغلقين الرافضين لثقافة العولمة المتمسکين بالقيم والثقافة المصرية الأصيلة.
-        المجموعة الثانية تمثّل إجابات الشباب المحافظين المعتدلين الذين يتمسکون بالقيم الذاتية لکنهم في الوقت نفسه متقبلين لثقافات أخرى ولديهم قدرة على تحقيق الموازنة بين هذا وذاک.
-        المجموعة الثالثة تمثّل إجابات الشباب المتحمسين المستسلمين لثقافة العولمة على حساب الثقافة الموروثة والقيم الأصيلة لمصر والمجتمعات الشرقية بشکل عام([i]).
لکن من خلال المناقشات اتضح أن ذلک التقسيم ليس موجوداً في الإجابات الفعليّة للمشارکين فقد تشابهت ردود الفعل والتفسيرات مع اختلافات طفيفة رکّز عليها الباحث في العرض السابق للنتائج. ومن المعتقد أن ذلک الأمر حدث نتيجة عدم تمکن الباحث من تمثيل جميع التيارات الفکرية في المجتمع المصري لاسيما المتدينين الذين غالبًا ما يميلون إلى تفسير ثقافة العولمة على أنها ثقافة العدو وشرُّ مطلق. لذلک يدّعي الباحث أن حدود البحث الراهن تقف عند الفئات التي تمت دراستها، وأن الأمر بحاجة إلى مزيد من البحوث والدراسات بالتطبيق على فئات أخرى أو في ضوء خريطة فکرية للشباب المصري وفقًا للانتماءات والميول السياسية والدينية.
وبأي حال يمکن القول إن خلاصة هذا البحث تتمثل في أن الهوية الثقافية للشباب المصري حدثت بها تحولات جذرية جعلتها أقرب إلى النقيض من الهوية الحقيقية الأصيلة والمتوارثة للشباب المصري، وأن موجة التغيير بدأت منذ منتصف القرن العشرين تقريباً عند ظهور التليفزيون وانتشار صناعة السينما في مصر التي غلّبت الفکاهة على الالتزام، ودعّمت الشباب المستهتر على أنها مرحلة لابد منها في عمر کل إنسان، وأيّدت التصرفات السلبية للشباب باعتبارها حقًّا مشروعًا لکل شاب وفتاة (طيش شباب)، وفي ضوء أبعاد الثقافة التي تشکل الهوية الثقافية والتي تشتمل على المعايير والمعارف والماديات المکونة للحياة نناقش نتائج البحث الراهن کما يلي:
أولاً: البعد المعياري:
تجدرُ الإشارة أولاً إلى أهمية تحديد المبادئ المستخلصة من الفکر الحداثي الجديد الذي تداخلت فيه أفکار الحداثة مع ما بعد الحداثة وولّدت ما عرِف بالحداثة الجديدة أو المتداخلة، تلک المبادئ تشير إلى أن الإنسان أصبح ذاتاً حُرّةً، استهلاکيّة، مبعثرة، وفصامية ومترددة. ولوحظ من نتائج البحث أن معايير الحکم على الأشياء والمواقف لدى الشباب المصري قد تغيّرت، وأصبحت خاضعة للتصورات الذاتية لکل فرد، والحاجات النفسية والاجتماعية لکل منهم، بل وأصبح الشباب مترددًا لا يتبنى معاييرًا أو قيمًا أو أشياء مادية ثابتة تشير إلى التکوين الثقافي المتوارث لدينا في مصر، وإنما بات متحولاً يفسر الأمور ذاتها بطرقٍ مختلفة. فالشخص المحبّ للتجمعات وکثرة الکلام يجد في الشبکات الاجتماعية متنفسًّا لتحقيق ما يصبو إليه. والإنسان الرافض دومًا لما يدور حوله يرى أن الفيس بوک مساحة للتعبير الحرّ عن الرأي. وهکذا.
کما أشارت النتائج أنّ الشباب أصبحوا أکثر ميلاً للاستهلاک والتفاعل مع کل ما هو جديد بغض النظر عن مدى مطابقته أو توافقه مع القيم العربية والمصرية المتوارثة والتعاليم الدينية سواء الإسلامية والمسيحية، وبات موضوع التفاعل الإيجابي الواعي مع الشبکات الاجتماعية ومضامينها نخبويًّا، ومقصور على فئة محدودة من الناس.
وعليه فإن القيم والعادات والأعراف والزواجر والحوافز تأثّرت کثيرًا بالتفاعل اليومي على الشبکات الاجتماعية، فکما أشارت النتائج نجد قيمًا مثل "صلة الرحم" باتت شبه منعدمة مقابل التواصل والتعرف على أشخاص جدد تجمعهم مبررات أخرى مثل التوافق السياسي أو النفسي أو غير ذلک. وفي الوقت ذاته فإن عادات الشباب باتت تظهر مختلفة عمّا توارثه المجتمع من عادات. مثل عادة الرجوع إلى المنزل مبکرًا في المساء، أو السير مسرعين باتجاه مقرات العمل أو الدراسة... وغير ذلک من العادات.
أما الزواجر فبات من أبرزها "الحظر" أي منع شخص ما تجاوز في حق آخر من الاطلاع على صفحته أو الکتابة عليها على إحدى الشبکات الاجتماعية، أو الحذف، إرسال تقرير في حقه لإدارة الفيس بوک (على سبيل المثال). ومن الزواجر المعاصرة أيضاً تجميد عملية التفاعل مع أحد الأصدقاء في حالة تجاوزه للآداب المطلوب منه الالتزام بها.



 

الكلمات الرئيسية