دور الصحافة العربية الدولية فى ادارة الصراع الثقافى

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الصحافة بکلية الإعلام – جامعة القاهرة

المستخلص

أصبح للعامل الثقافى أهمية خاصة فى إدارة العلاقات الدولية فى عالم ما بعد الحرب الباردة وخاصة فى ظل ثورة تکنولوجيا الاتصال والمعلومات. حيث أدخلت تطورات العولمة العالم  فى تفاعلات ومواجهات لم يعرفها من قبل بسبب إسقاطها المستمر لحدود الزمان والمکان ورغم وهمية الحدود فى کثير من الأحيان إلا أنها تؤدى وظيفة الإحساس بالذات والتمايز. لذلک أصبحت الشعوب والدول والثقافات أکثر حاجة للبحث عن شروط ومواصفات تؤکد اختلافها وتمايزها بقصد تکوين علاقة واضحة بين الأنا والآخر.

وفى هذا السياق، تواجه الهوية فى عصر العولمة بالعديد من التحديات ومن هنا انبثقت الدعوة إلى إدارة حوار ودى وموضوعى بين أتباع الحضارات المختلفة على جميع المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. فثقافة الحوار والتواصل هى البديل الوحيد للمواجهة والصدام، اللذين أنذر بهما، وقال بحتمية وقوعهما بعض المؤرخين للمرحلة المعاصرة من مراحل تطور العلاقات بين الأمم والشعوب ، ويمثل هذا الأمر خليط يبدأ من صامويل هنتنجتون وحتى برنارد لويس.ويؤکد هؤلاء المفکرون حتمية حدوث  صراعات ثقافية نتيجة لرفض البعض للعولمة وعند هؤلاء يکمن الخلل فى سلوک الدول العربية والإسلامية فى بعض السمات والخصائص الثقافية للإسلام، بما فى ذلک عدم توافق الإسلام مع أفکار فلسفية غربية أساسية، مثل الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان.

وفى إطار ما خلفته هجمات الحادى عشر من سبتمبر، وغزو أفغانستان والعراق من توترات وتطورات وتفاعلات، تشابکت قضايا الإرهاب والديمقراطية والصراع والحوار والهوية، لتشکل أجندة عالمية جديدة، تفرضها الضغوط الخارجية، وتدعمها الضغوط الداخلية، فى مسعى لإعادة تشکيل العالم العربى والإسلامى سياسياً وثقافياً.

وفى ضوء ذلک تزيدات الأزمات ذات الطابع الثقافى والدينى، وأصبح الإسلام هدفاً لحرب إعلامية غربية ضخمة ربطت بينه وبين الإرهاب .وجاء حادث «شارل إيبدو» ليمثل ذروة تلک الأزمات؛ حيث تعمدت "شارل إيبدو" منذ سنوات نشر رسوم کاريکاتورية للرسول ولم تعبأ برد الفعل الإسلامي الغاضب، بل إن مجلات أخرى في عدد من البلاد الأوروبية مثل ألمانيا والدنمارک تمادت حين أعادت نشر الرسوم التي ظهرت في مجلة «شارلي إيبدو»، مما مثل في ذهن المسلمين أنها حملة سخرية موجهة ضد الإسلام والمسلمين.
ومن هنا قررت الجماعات الجهادية المتطرفة أن الرد على مجلة «شارلي إيبدو» لا بد أن يکون باستخدام العنف والذي تمثل في الحادث الإرهابي باقتحام مقر المجلة. والتصفية الجسدية لأحد عشر صحافياً وإدارياً .
وفي غضون ساعات من الهجوم دأب العديد من رجال السياسة الفرنسيين والدوليين، والمعلّقين، على تصوير الهجوم بأنه يستهدف «التاريخ التنويري والنهضوي المشرّف» للبلاد ، إن ربط قيم التنوير مثل الحرية بالديموقراطيات الغربية الليبرالية، ووضعها في مواجهة إسلام قروسطي وعنيف، هما عبارة عن بعث سردية شائعة إلى الواجهة مجدداً، تُصوِّر العرب والمسلمين بأنهم عاجزون عن احتضان هذه القيم .
وأفرز الحدث خطاباً  سياسياً وإعلامياً عربياً يستهدف الرد على الاتهامات الموجهة للإسلام  ويتضامن مع الضحايا تحت شعار "کلنا شارلى". وفى ضوء تعاظم الاعتقاد لدى الباحثين بفاعلية وسائل الإعلام فى ادارة الصراعات المختلفة على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية ، وکذلک التأکيد على أن وسائل الإعلام ليست مراقباً محايداً ولکنها تمثل أحد الفاعلين الاساسيين فى تطور الصراعات سوء بشکل مباشر أو غير مباشر؛  تأتى أهمية هذه الدراسة التى تسعى للتعرف على کيف تبنت الصحافة العربية الدولية ممثلة فى صحيفة  "الحياة الدولية" خطاباً إعلامياً فى سياق حادثة تمس التعايش بين الثقافات، وما  مرتکزات هذا الخطاب وآلياته.
وأکدت دراسات الإعلام الدولى النقدية تأثير عوامل الانتقاء والإبراز والاستبعاد کعمليات تقوم بها وسائل الإعلام المختلفة فى إطار سياسات تحريرية واعتبارات إيدبولوجية تحکمها وتجعلها أداة متحيزة لا تساعد على خلق التواصل والتفاعل الدولى بل وسيلة لتأکيد تفوق ثقافة على ثقافة وأداة قهر وممارسة کافة أشکال التمييز والعنصرية إزاء الآخر، بل وربما المساعدة فى شن الحروب وإزکائها بدلاً من أن تعمل کأداة تعکس الواقع بمختلف جوانبه وتساعد على خلق بدائل متعددة للصراعات وکوسيط ثقافى يحاول إيجاد أرضية مشترکة للتعاون على أساس من الاحترام المتبادل. وفى ضوء ذلک تتحدد مشکلة الدراسة فى الإجابة على تساؤل رئيسى تمثل فى: هل سعت الصحافة العربية الدولية ممثلة فى صحيفة الحياة اللندنية لتناول حادث " شارل إيبدو " فى إطار تأکيد الصراع بين "الآنا والآخر"  وذلک بممارسة التمييز والعنصرية إزاء الآخر ، أم سعت لإيجاد نوع من التفاهم والحوار وتعظيم القواسم المشترکة ببينهما ؟

الكلمات الرئيسية